الجمعة، 1 أغسطس 2014

مسامرة متشاكسة


( مقامة)
نظمت إحدى الأماسي ، أمدرمانيا مع فاسي ، فتناولا شعر
 محمد سعيد العباسي ، فانتفخ انف الأمدرماني كبرا ، وحكى إفكا وهجرا : نحن أعلى الناس ذكرا ، وأكثرهم علما وفكرا ، وأقواهم نثرا وشعرا ، يقول شاعرنا فيصدق ، ويُبارى فيسبق ! نعيش في وفاق ونصفو عند التلاق ! نقري الضيف ، ونأبى الحيف ، فالسيد منا كريم الخليقة مرضي الأخلاق ، يعطي فيغدق ويتهلل كالبرق ، إذا عزم فعل الشورى مذهبه والتجارب مهذبه ، لنا أبطال أشداء ومساعرٌ نجداء لا النار يهابون ولا من المواجهة هاربون ! ولسان حالهم يقول :
الجبن عارٌ والشجاعة هيبة *** للمرء ما اقترنت به العزمات
فالتفت الفاسي بعد ان ضاق صدره منتصبا وقلب كفيه متعجبا ولحظ الأمدرماني هازءا ومكذبا وقال
مهلا مهلا !! لقد استرسلت في الكلام استرسالا وأكثرت في قومك مقالا ، إن ما تقوله صدقا فهو أطيب في الذكر وأحسن من شذى  العطر وأعظم والله في السمعة  ولكن هيهات لما تقول ! ما نسمع بكم إلا عندما تستغيثون وأنين ضعفائكم عندما تحتربون ، وما علمت لكم فكرا ولا علما والمكتبة شاهدة بذلك فاسألها ، ليس لكم إلا حثالة النثر والشعر تذمون بها بلادكم ألم يقل شاعركم :
لا حبذا أنت يا أمدرمان من وطنٍ *** أمطــــــرتني نكدا لاجادك المطر
من صحن مسجدها على مشارفها *** حط الخمول بها واستحكم الضجر
ولا أحب بلادا لا ظــــــــــلال بها *** يظلها النــــيم والهجليــــج والعشر
أما ادعاؤك الوفاق فيا للعجب ! ما حفظت لكم الأيام إلا وفاقا واحدا عندما ألهب المستعمر بالسياظ ظهوركم !، وأضحى الغاري أميركم ، ثم عدتم وكأن الفرقة خلقت في دياركم ! رأينا والله وقد داهمتكم الخطوب وأفنت شبابكم الحروب وتلتلتكم الكروب ، فالصديق عندكم منقبض غضوب لا يذهب بالخير ولا يؤوب ، والخصم لا يأبه بالذنوب ويرى الدماء كالماء العذوب أقوت دياركم واستحال قراركم واصفر وجه الأيام وتقطع حبل الوئام ، وخلت حظائر الأنعام واختلطت الأسد بالنعام ،  ما للمآسي تستمر ليس لها مستودع ولا مستقر وما للمظالم مزدجر ! لا يجيب نداؤكم غير الصدى المفزع وألم بكم الفقر المدقع فرثى لحالكم الشامت والمشفق لما بكم من الشر المحدق . فقام الأمدرماني خجلا يجرجر أذياله خائبا وطفق الفاسي يلاحقة قائلا :
وتجنبوا دعوى الكمال فإنما *** دعوى الكمال نهاية النقصان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق