الثلاثاء، 26 مارس 2013

الحداثة الراشدة :



الدكتور وليد قصاب بعد أن انتقد الحداثة العربية العلمانية الظافرة ، عقد فصلا كاملا لما أسماه ( الحداثة الغائبة) حيث ذهب فيه إلى أن هناك حداثة أخرى إلا أنها مغيبة ، وتردد في تسميتها ، هل يسميها    ( حداثة الأصالة) أم ( حداثة الجذور) ، هذه الحداثة ذات توجه عربي إسلامي ولها " أنصار كثيرون ، وتمثل ضمير الجماعة وذوقهم "[1]، وأرجع سبب غيابها إلى هيمنة الحداثة العلمانية واستئثارها بالمنابر الإعلامية والثقافية ، وذلك بسبب الغزو الثقافي الذي أتي يحمل  معه " التنكر للعقائد، والأديان ن الجرأة على الله والأنبياء ، كسر الأعراف والتقاليد ، الخروج على المألوف، الإتيان بكل شاذ "[2] فسبب-  بحسب الدكتور قصاب - انتشار الحداثة الظافرة هي مؤامرة الإعلام والشعراء وليس قبول المتلقي العربي لإنتاج أولاء الشعراء لأنه يمثل ضميرهم ، أما شعراء الحداثة الراشدة الذين لم يعرفهم أحد فهم الذين يمثلون ضمير الجماعة ! ويقول أن  : " الحداثة ضرورة ، ولا يقوم الفكر
والحياة إلا بها "[3] وأن التحديث  " أمرٌ واجب لا مندوحة عنه، لأن الحداثة تعني مواكبة العصر ، والعيش فيه ، والاستجابة لتحدياته ، وهي تعني الأخذ بأسباب العلم والحضارة لإعمار الأرض على شكل أمثل ... وهي من القوة التي دُعِينا إلى الإعداد لها ما استطعنا"[4] وهذه الحداثة الراشدة التي يدعو لها الدكتور قصاب وغيره من المسلمين المحافظين هي حداثة معاكسة للحداثة المعروفة ، حيث يقول : " إن الحداثة المنشودة لمجتمعنا العربي الإسلامي المتخلف لا يمكن أن تقوم على قيم الإلحاد والتنكر للعقاد والأديان ، واحتقار التراث الإنساني جملة وتفصيلا ، والشذوذ وغير ذلك من الأفكار الضالة التي قبستها عن نظيرتها الغربية " [5] هذه الحداثة المنشودة تسعى إلى " كشف مجاهيل الكون العجيب ،.. ونزع الحجب عن أسراره الدفينة المخبأة التي تدل على الخالق في خلقه وعظمته "[6] إذن الحداثة الرشيدة هي حداثة دينية تبين التوحيد ، وتدل المؤمنين على الله ، وهي " ترتكز إلى قيم الحق والخير والعدل والإيمان ، وإلى تصور فكري سليم عن الكون والحياة والإنسان "[7]، ولئلا تكون الحداثة الراشدة سائبة قد يلعب بها اللاعبون جعل لها ركائز وملامح يجب أن تقوم عليها وهي :
·        الحداثة ضرورة : ولا يقوم الفكر ولا الحياة إلا بها وهي لا تتنافى مع الدين ولا مع الأعراف الاجتماعية .
·        لا تطول الثوابت القطعية في فكر هذه الأمة وعقيدتها ، ولا تتنكر لها أو تفرط فيها.
·   لا تلغي الآخر ، ولا تغلق أبوابها دونه، بل هي منفتحة مقتبسة منه ، لكنها لا تفعل ذلك كله مغلقة العينين مقلدا تقليدا أعمى
·        لا تتنافى مع الأصالة ولا هي نقيض لها أو ضدها .
·        ليست تغييرا جذريا لكل قديم سالف، ولا هي ثورة كاسحة عليه.
·        ينبغي أن تنبع من داخل الأدب العربي ذاته ، ومن بنيته الخاصة المميزة له ، ولا يجوز أن تفرض عليه فرضا من الخارج.
·        لا وجود لمفاهيم (الهدم) و ( القطيعة) و ( الثورة ) و ( الخروج) و(التمرد)، في قاموس الحداثة الراشدة "[8]
بهذه الركائز التي بناها قصاب للحداثة الراشدة يتضح لنا جليا أنها مغايرة للحداثة القائمة ، بل مناقضة لها ، ولا تلتقي معها إلا في أشياء نادرة مثل :(أن الحداثة ضرورة ولا تقوم الحياة والفكر إلا بها)  وتلغي الحداثة الراشدة  أهم قضايا الحداثة  الأولى مثل : مسألة القطيعة المعرفية مع الماضي، والتعامل مع التراث ، والتمرد ، والثورة ، وهي روح الحداثة القائمة .
الحداثة الحديدة ترى أن في التراث والثقافة ثوابت ومتغيرات ، ويجب على المبدع والمفكر أن يتعامل مع المتغيرات دون أن يمس الثوابت بشيء ، وهذه نقطة خلاف جوهرية مع الحداثة العلمانية التي ليس في قاموسها ثوابت ولا قيم مطلقة ، فالثابت الوحيد هو التغيير ، وكل شيء آخر نسبي تتحكم فيه الظروف والبيئات ، أما الحداثة الراشدة فهي تقوم على قيم مطلقة ثابتة هي "  قيم الحق والخير والعدل والإيمان ، وإلى تصور فكري سليم عن الكون والحياة والإنسان "[9] لذلك تسعى إلى التوفيق بين التراث والأصالة من جهة والحداثة الراشدة من جهة أخرى.










[1]   المرجع السلبق  ،ص316
[2]  المرجع السابق ،ص360
[3] المرجع السابق، ص318
[4]  المرجع السابق ،ص319
[5]  وليد قصاب ، خطاب الحداثة في الأدب، (الأصول الفكرية لخطاب الحداثة في الأدب العرب)،  ص316، ص368
[6] المرجع السابق،ص319
[7] المرجع السابق،ص328
[8] المرجع السابق، ص318- 323
[9]  وليد قصاب، خطاب الحداثة في الأدب، (الأصول الفكرية لخطاب الحداثة في الأدب العرب  ،ص316،ص328

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق